~*¤ سلام من الله عليكم ¤*~
أمام واحدة من تلك المحلات التي لا تستطيع أن تمرمن أمامها سوى بواسطة، شي خيالي ؟كنت ذلك الفضولي الذي يحاول جاهدا- رغم الأضواء- فهم ما يدور خلف هذا الحاجز الزجاجي من أرقام خيالية .
للوهلة الأولى ظننت أنها مزحة من العيار الثقيل، ثم تلتها العديد من العمليات الحسابية للمقارنة بين عمر الفرد وما يجنيه مقابل سلعة واحدة من تلك المعروضات!
بالكاد راتب خمس سنوات يكفي لشراء تلك الناعمة المتكئة بدلال هناك، والتي يوحي لك سعرها أنها ليست مجرد ساعة، من المؤكد أنها أبعد بكثير من ذلك، قد تكون قنبلة نووية متنكرة، وقد تكون واحدة من تلك الساعات التي تجلب الحظ ، وقد لا تكون ساعة من الأساس فأنا لا أعلم الكثير عن هذه الاختراعات الحديثة بالإضافة أنني لم أمر على هذا المحل منذ سنوات، ولكن مالا أستطيع فهمه، كيف لهؤلاء الكسالى الذين يحيطون بي أن يدفعوا هذا المبلغ الضخم في مقابل ساعة؟
.
بدأ الصداع والذهول يتسرب إلى ملامح وجهي بطريقة فاضحة
لا أريد أن أثبت لأحد أنني ذلك الفلاح المتمدن القادم من قريته للتو، وما زال عقله يحتفظ بغبار الطريق!
صحيح أن هؤلاء الناس يبدو عليهم أنهم يستحمون كل يوم، وأسنانهم بيضاء كتلك التي نراها في التلفاز وكأنهم لم يأكلوا فولا قط ، ولكن ربطة العنق التي أحاول استعراضها بطريقة مسرحية أمام الجميع تشفع لي رغم ألوانها الفاقعة!
في الحقيقة لم تكن هي بغيتي بقدر ما كنت أحاول قدر الإمكان إلهائهم عن نصفي الآخر الذي ينتهي بحذاء أسطوري معمر يستطيع أن يدخل موسوعة جينيس" بفركة كعب"
لحظات قليلة كانت كافية لينتقل مؤشر الفضول لدي إلى الجهة الأخرى من الصفر، وأنتقل أنا الآخر للجهة الأخرى من الحاجز الزجاجي بكل سهولة إلى داخل المحل أطالع الأشياء بمنتهى التكبر وكأنني أحمل وثيقة موقعة من وزير المالية تثبت حسن السير والسلوك، في هذه الأماكن لا يجب أن تصرخ كلما رأيت رقما معقدا، ولا يجب أن تجلس بجانبه تبكي سنوات عمرك القليلة، ولا يجب أيضا أن تضحك لأن هؤلاء الحمقى يشترون ويدفعون ويضحكون.
أصفار كثيرة بجانبها أرقام نسيت منذ العهد الدراسي كيف تنطق، عندما تزداد الأصفار المتعلقة بالنقود عن ثلاثة أبدأ بالتلعثم كأي تلميذ في حضرة أستاذ رياضيات ماكر!
لا أدري لم تذكرت هذا الأستاذ الذي لا يحلو له مراجعة جدول الضرب سوى بطريقة عكسية مفاجئة، كأن يسألك عن حاصل ضرب تسعة في سبعة وليس سبعة في تسعة، اين هو الآن كي يرينا مهارته؟
بالكاد نطقت هذا الرقم المكون من خمسة أرقام متسائلا باستنكار هل هو صحيح، حتى أخبرني صاحب المحل بخبث شديد أنها "ماركة". لم يكن علي سوى أن أطبق فمي الذي تحول فجأة من اتساع الذهول إلى ابتسامة يبدو عليها بعض الرضا.
ذكرني نطقه لكلمة ماركة بربطة عنقي فاقعة اللون، هي زاهية فقط ولكن قد لا يكون لها قيمة فعلية، لا أدري لم يهتم الناس بالمظاهر بتلك الطريقة المقرفة التي لا تدل سوى على خوائهم الداخلي، عادة حينما أريد أن أشتري أنتقى أكثر أصدقائي برودا كي يصاحبني، أتحمل أنا ثقل دمه خلال الطريق ويتحملون هم مالا يطيقون من المجادلة والضحكات أحادية الطرف، ربما تكون هذه الفائدة الوحيدة من أن يكون لك صديق بهذه المواصفات القياسية للتعامل مع السوق.
لا أعاني كثيرا من حب التملك، كما أعاني من حب الترك، لا أستطيع أن أضيف إلى قائمة الاهتمامات شيئا آخر أخشى فقده، وأتحمل تبعات خسارته، ولهذا ليس لدي سوى تلك الأشياء التي أستطيع الحفاظ عليها، في العادة نحن نحافظ على الأشياء التي نخشى أن نفقدها، وليست تلك الأشياء التي تقبل التعويض ونستطيع أن نراهن عليها بكل أريحية.
خرجت من المحل بقدرات عالية في الجمع والضرب والطرح، كأن تجمع عدة أعداد فلا يعجبك قيمتها فتضربها، وتطرحها أرضاً خلف ظهرك ولا تشغل بالك بها.
في المحل المجاور لم أستغرب كثيرا عندما رأيت هذا الرجل يجر ابنه خارجا ويسب نفسه عدة مرات، الولد لم يكن غاضبا قط من أن يقول له والده يا ابن الـ.......، لأنه ترك قلبه أمام عتبات هذه الكرة ناصعة البياض، لم أكلف نفسي عناء رؤية سعرها بقدر ما تمتمت في نفسي مقولة صاحبي أن:
" الفقراء لهم الله "
في هذا الشارع الطويل كانت الأضواء مبهرة حقاً، والأسعار أكثر إبهاراً، اللافتات المضيئة هنا لم تبدد ظلام الشارع الجانبي الذي يقطنه بعض السكان الذين يتفرجون فقط ولا يشترون، ويتمنون في الليل وينسيهم النهار الطويل الذي يقضونه في أعمالهم ما تمنوه بالأمس.
من الجيد أن تحلم ، والأكثر جمالاً أن تنسى تلك الأحلام الغير قابلة للتحقيق ، ولهذا يحلم الفقراء وأعينهم مفتوحة، وتطوى الذاكرة إلى حين ميسرة بمجرد إغماض أعينهم!
عندما تمتلك مثل حذائي لن تحمل هم فقد أي شيء، ولكن يجب عليك أن تــقتصد في مشيك قدر الإمكان، هذا لأن أحذية الفقراء تدوس الأرض كثيرا عن أحذية الأغنياء.
.
.
منقولة
دعواتي الصادقة وتحياتي العطرة